ورقة من كل كتاب

البتراء

تعتبر مدينة البتراء، عاصمة الانباط العرب، اعظم واشهر المعالم التاريخية في الاردن، وهي تقع على مسافة 262 كيلو مترا الى الجنوب من عمان. وقد وصفها الشاعر الانجليزي بيرجن بانها المدينة الشرقية المذهلة، المدينة الوردية التي لا مثيل لها.قبل اكثر من الفي سنة اخذخ اعراب الانباط القادمون من شبه الجزيرة العربية يحطون رحالهم في البتراء. وبالنظر لموقعها المنيع الذي يسهل الدفاع عنه، جعل الانباط منها قلعة حصينه واتخذوها عاصمة ملكية لدولته.وما تزال البتراء حتى يومنا هذا تحمل طابع البداوة، اذ ترى الزائرين يعتلون ظهور الخيول والجمال، لكي يدخلوا اليها في رحلة تبقى في الذاكرة طوال العمر.يصل الزائر الى قلب المينة الوردية، ماشيا على قدميه، أو على ظهر جواد، أو في عربة تجرها الخيول، عبرة ( السيق) الرهيب. انه شق هائل طوله 1000 متر، يخيل للمرء إن جانبي الشقيف الصخري في اعالي، وعلى ارتفاع 300 متر، وكأنهما يتلامسان.وعندما يقترب السيق من نهايته، فانه ينحني في استدارة جانبية، ثم لا تلبث الظلال الغامضة أن تنفرج فجأة فترى اعظم المشاهد روعة تسبح في ضوء الشمس. إنها الخزنة، إحدى عجائب الكون الفريدة. والتي حفرتها الأيدي في الصخر الأصم في واجهة الجبل الأشم، بارتفاع 140مترا وعرض 90 مترا.بعد أن يتملى الزائر بأنظاره من روعة هذا المشهد البهي ، يتقدم ف وسط المدينة، فيشاهد على جانبيه مئات المعالم التي حفرها أو أنشأها الانسان، من هياكل شامخة، و أضرحة ملكية باذخة، إلى المدرج الكبير الذي يتسع 7000 متفرج، الى بيوت صغيرة وكبير، الى الردهات، وقاعات الاحتفالات، الى قنوات الماء والصهاريج والحمامات، الى صفوف الدرج المزخرفة، و الأسواق، والبوابات ذات الأقواس والشوارع والأبنية.ولكن البتراء لا تقتصر على آثار الأنباط وحدهم، إذ يستطيع الزائر أن يشاهد على مقربة منها موقع البيضاء وموقع البسطة اللذين يعودان الى عهد الادوميين قبل 8000 سنة. كما يستطيع الزائر ان يسرح بصره في موقع اذرح التي اشتهرت بحادثة التحكيم في تاريخ الأرض والتي تضم بقايا معالم من عهد الرومان.ترتبط البتراء المدينة الفريدة بالأنباط الذين جعلوا منها عاصمة لهم والأنباط قبيلة عربية بدوية كانت ترعى الماشية وتتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الكلأ ووصل قسم منها في ترحاله إلى البتراء التي كان يعيش فيها الآدوميون وأقاموا بينهم في مدنهم وقراهم. ونظراً لموقع تلك المنطقة الجغرافي بين مصر وفلسطين وشبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا ما لبثت الحياة بما فيها من كسب مادي ورفاهية العيش الذي وفرته لهم التجارة أن أغرت الأنباط بترك حياة البداوة والاعتماد على التجارة. وباتوا يقطعون الصحراء حاملين الذهب والفضة والحجارة الكريمة والبهارات والأخشاب الثمينة من بلاد فارس وجنوب شبه الجزيرة العربية ويحملون البخور والمر من حضرموت. واتخذ الأنباط البتراء مستقراً لهم يخزنون فيها بضائعهم ويحتمون بين جنباتها من عاديات الزمن. لكن الروم أغرتهم ثروات الأنباط فانقضوا على المدينة ونهبوا ثروتها ولكن الأنباط سرعان ما لحقوا بالمعتدين وقضوا عليهم واستعادوا ما نهب منهم. وامتد نفوذ الأنباط في عام 90 قبل الميلاد بعد أن وقعت معركة دامية بينهم وبين الروم الى المنطقة الجنوبية من سوريا (الأردن وجبل الدروز حالياً). ولم يتمكن الروم من التغلب على أنباط البتراء على الرغم من الحملات المتكررة واتسعت مملكة الانباط حتى وصلت وادي سرحان شرقاً الى نهر الأردن غرباً والبحر الأحمر جنوباً الى بلاد الشام شمالاً.
وتأثرت البتراء بحكم موقعها الجغرافي بالحضارة اليونانية وأصبحت عاصمة الأنباط تفوق المدن العشر جمالاً وقد حاول الرومان غزوها والقضاء على استقلالها لكن الانباط اشتروا استقلالهم بالمال. غير أنه عثر على عملة سكت في روما ويعود تاريخها الى سنة 58 قبل الميلاد نقش على أحد وجهيها الملك الحارث ممسكاً جملاً بيده وجاثياً على إحدى ركبتيه وماداً سعف النخل مما يبين أن النفوذ الهيليني السياسي والعسكري قد زال وحل محله الوجود الروماني. ولم يلبث الرومان أن قضوا على مملكة الأنباط سنة 105 وأسموها المقاطعة العربية. وفي سنة 636 أصبحت البتراء خاضعة للحكم العربي وعاش من تبقى من سكانها على الزراعة لكن الزلزال الذي أصابها سنة 746/748 وزلازل أخرى أفرغتها من أهلها.
ودخلت البتراء في سبات عميق استمر قروناً طويلة واستسلمت لاشعة الشمس الحارقة وللرياح العاصفة . وبقيت في سباتها هذا مختفية عن الأنظار حتى عام 1812 حيث بدأ علماء الآثار والمهتمين بزيارتها إلى أن زارها عام 1896 الويس موصل وكتب عنها كتاباً أسماه "Arabia Petraea" مما لفت أنظار العالم الى هذا الموقع الأثري الفريد.

ليست هناك تعليقات: